هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 "التخطيط" فريضة واجبة لمواجهة الحصار

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
وتبقى حماس
مشرف
مشرف



عدد الرسائل : 81
تاريخ التسجيل : 08/06/2008

"التخطيط" فريضة واجبة لمواجهة الحصار Empty
مُساهمةموضوع: "التخطيط" فريضة واجبة لمواجهة الحصار   "التخطيط" فريضة واجبة لمواجهة الحصار I_icon_minitimeالثلاثاء يونيو 17, 2008 3:11 pm

"

"التخطيط" فريضة واجبة لمواجهة الحصار

د. ماهر أحمد السوسي
أستاذ الفقه المقارن في كلية الشريعة والقانون
الجامعة الإسلامية في غزة


قلنا في مقالات كثيرة سابقة: إن الاستسلام للحصار أمر غير جائز في الشرع الإسلامي، وأن الأمة آثمة إذا ما خنعت أو خضعت لهذا الحصار؛ بل لا بد من استنزاف كل طاقات الأمة وإمكانياتها من أجل فك قيوده والتخلص من آثاره القاتلة.

ومن أهم الوسائل التي يقرها التشريع الإسلامي من أجل بناء حياة الإنسان وتطويرها (التخطيط) المبني على قواعد التفكير المنطقي السليم، التفكير الواقعي، الذي يتلاءم مع الإمكانيات المتاحة، والخبرات المتوفرة، من أجل ذلك فإن الله تعالى قد منح الإنسان العقل الذي هو من أهم أدوات هذا التخطيط.

يقول الله تعالى: (وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لَّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)، فالنص واضح وصريح في ضرورة التفكر، أو التفكير فيما سخر لنا الله تعالى من الإمكانيات والطاقات الهائلة الموجودة في هذا الكون، والتساؤل الذي يطرح نفسه هناهو لماذا انتهت هذه الآية بهذا الخاتمة "إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون"؟"، ما كان ذلك إلا للفت انتباه أصحاب الفكر والعقول إلى أن ما في السماوات والأرض من موارد الكون لا يمكن الاستفادة منه إلا بالتفكير وإعمال العقل، والنصوص من هذا القبيل في القرآن الكريم كثيرة وواضحة.

وقد ورد في كتب السير أن النبي صلى الله عليه وسلم، وصحابته رضي الله عنهم من بعده، قد نهجوا هذا النهج، وأنهم لم يستسلموا للأمر الواقع؛ بل إنهم خططوا لدفع الخطر عنهم بطرق ذكية ومنطقية، واستفادوا من كل الموارد الطبيعية المتاحة لهم، وليس أدل على ذلك من قصة حصار كفار مكة لبيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربعين من الرجال المسلحين، من أجل اغتياله صلى الله عليه وسلم، فعلى الرغم من أن النبي صلى الله عليه وسلم كان معصوماً من الناس، مصداقاً لقوله عز وجل: (وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ)، إلا أنه أبى إلا أن يأخذ بالأسباب، فاتفق هو وعلي رضي الله عنه بأن يلبس ملابسه، وينام في فراشه حتى يموه على هؤلاء المصطفين على باب بيته ينتظرون خروجه لصلاة الفجر، على الرغم من أن في هذه الخطة خطراً على علي رضي الله عنه، ورغم جو الرهبة الذي كان يشيعه منظر هؤلاء الأربعين المسلحين المستعدين للانقضاض عليه صلى الله عليه وسلم، إلا أنه لم يستسلم، ولم يركن إلى العجز والكسل، بل إنه استعمل فكره.

ثم إنه خطط لاختيار أنسب الأوقات للخروج فيها من بيته، وخطط للمكان الذي يلتقي فيه هو والصديق حتى يهاجرا معاً، وخطط للدليل الذي سيصحبهما في هذه الرحلة، وقبل أن يتجه تجاه مكة سار عكس اتجاهها، مع أن الوقت كان ضيقاً، والخطر مطبقاً، والكل متحفز للبحث عنه صلى الله عليه وسلم والانقضاض عليه، إلا أنه أبى إلا أن يتدبر أمره بعقل وروية، وألا يكون مستسلماً خاملاً، يدفن رأسه في التراب وينتظر حتفه.

إن التخطيط الجيد هو سر من أسرار ازدهار أيّ أمة ورقيها، وهو وسيلة هامة من وسائل قوتها، والعقل هو أقوى سلاح؛ ذلك لأن العقل هو الوسيلة التي أدت إلى اكتشاف كل أنواع الأسلحة على الإطلاق، وبالتالي فنحن نملك كما يملك غيرنا عقلاً مفكراً متدبراً، ويمكننا أن نبدع كما أبدع غيرنا، وإن هذا ليس تنطعاً، وإنما هو واقع وحقيقة، من أجل ذلك حُجر على عقولنا، وحاول أعداؤنا تغييب هذه العقول، وهم يبذلون كل ما يستطيعون من أجل تعطيل عقولنا، وتشويش تفكيرنا، حتى لا نتمكن من الاعتماد على ذواتنا فنتحرر من رقهم وعبوديتهم، وصور ذلك كثيرة ومتعددة، وما الفتنة التي أثيرت بين الفصيلين الكبيرين في المجتمع الفلسطيني إلا صورة لذلك، بحيث نجح هؤلاء في أن يوجهوا فكرنا الوجهة التي يريدون هم، وأشغلونا في خلافات جانبية، ما عادت علينا بفائدة تذكر، ومن صور ذلك أيضاً هذا النقص الحاد في المواد والسلع الحياتية الرئيسية، بحيث يصبح تفكير الناس منحصراً في كيفية توفيرها وحيازتها، فليس للشارع الفلسطيني عموماً والغزي على التحديد، إلا الحديث في شأن السولار أو البنزين أو الغاز ...الخ، ومن صور ذلك التأثير على عقولنا وتفكيرنا ومنع طلاب العلم من الالتحاق بجامعاتهم وسائر المؤسسات التعليمية خارج فلسطين، ومنه أيضاَ ما يبث عبر وسائل الإعلام على اختلافها من قضايا جانبية لشغل الأمة عن قضاياها الحقيقية، ويتمثل ذلك في طرح قضايا هامشية مثل قضية تعدد الزوجات، أو قضية اللحية، أو قضية تقصير الثوب بالنسبة للرجل، والحجاب بالنسبة للمرأة وغير ذلك من عشرات القضايا التي لا تؤثر في واقع المسلمين شيئاً، أضف إلى ذلك السموم والفساد الكبير الذي يبث عبر الفضائيات مغلفاً بورق سلفان لخداع المواطن العربي.

كل ذلك وغيره الكثير من الوسائل التي تمارس ضدنا من أجل تغييب عقولنا، وتوجيه تفكيرنا، وبذلك أصبحنا نعيش على هامش الحياة، لا أثر لنا ولا تأثير، بل نحن دائماً مفعول بنا، مع أن القرآن الكريم ينبهنا إلى أننا نحن حملة لواء التقدم والرقي، ونحن سادة الناس جميعاً بما حملنا من عبء الدعوة إلى الله، يقول الله تعالى: (وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس، ويكون الرسول عليكم شهيداً)، فهذا النص غاية في الوضوح والبيان، يفيد أن أمة الإسلام هي الشاهدة على كل الأمم، وهي الرائدة لها في مجال الهداية، والتقدم والرقي، ولا يجوز بأي حال من الأحوال للأمة الإسلامية أن تتخلى عن هذه المنزلة التي أنزلها ربنا سبحانه وتعالى.

والذي دعاني إلى كتابة هذه الكلمات، هو ما شاهدناه جميعاً من تلك الأفكار التي حاولت أن تتغلب على معاناة الحصار، أقصد تلك السيارة التي تسير بالكهرباء، وذلك الفرن الشمسي، واستخدام الزيوت كوقود للسيارات بدلاً عن الوقود التقليدي المعروف، وغير ذلك من الأفكار الأخرى، التي حاول أصحابها أن يثبتوا من خلالها أننا أمة قادرة على التفكير حتى في ظل هذا الحصار الخانق القاتل.

صحيح أن هذه ليس إبداعات، وأنها ليس من معجزات هذا القرن، وأنها بنيت على تجارب سابقة لها، قد استفيد منها في مثل هذه الميادين، كل ذلك صحيح، ولكن اللافت للنظر أننا في وقت الحصار لم نكن نفكر بهذه الطريقة، ولم نحاول أن نلتفت إلى أمورنا الحياتية فنركن فيها إلى أنفسنا، أما اليوم فقد حاول البعض أن يقول لأولئكم الذين يظنون أنهم أن قتلوا التفكير فينا أننا سنموت، حاول القول لهم بأننا ما زلنا أحياء، وأن قرائحنا ما زالت فاعلة نشطة، ويمكننا أن نعيد مجدنا وتأثيرنا، وأنه يمكننا أن نجد كل البدائل التي تدعم عيشنا على هذه الأرض، مهما اشتد حصاركم، ومهما شحت الموارد والسلع الحياتية الرئيسية والكمالية.

إن هذه النماذج التي تحدثت عنها بحاجة إلى من يأخذ بيدها، ويشجعها على مزيد من التفكير وتدبر الأمور، فنحن ما زلنا بحاجة إلى بدائل كثيرة، تسد مسد ما حظر دخوله إلينا من وسائل الحياة، وليس هؤلاء فحسب؛ بل إن غيرهم كثير بحاجة إلى اكتشاف وتشجيع، وعلى ولي الأمر تقع المسؤولية الكبرى في هذا الشأن، فهو ومن معه مطالبون بتحفيز عقول أصحاب العقول، من أجل التخفيف من أثر هذا الحصار الملعون، وأعتقد أن هذا فرض واجب عليهم، يسألون عنه بيدي الله تعالى يوم القيامة.

كما أن هذه مسؤولية كل المؤسسات التعليمية، ومؤسسات المجتمع المدني، التي يمكنها أن تساهم في هذا المجال، سواء كان ذلك بالدعم العلمي أو المعنوي أو المادي، وبذلك نكون قد أبرأنا ذمتنا أمام الله تعالى، وبذلنا وسعنا، وأخذ بالأسباب وتوكلنا على الله حق توكله، فنكون قد حققنا شرط مساعدة الله لنا، وخلاصنا من الحصار الظالم، الذي سينتهي لا محالة إن شاء الله، وقد خاب أصحابه وخسروا، وورثوا الخزي والعار إلى يوم الدين، هم ومن والاهم من أبناء جلدتنا.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
"التخطيط" فريضة واجبة لمواجهة الحصار
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
 :: الملتقى الاسلامي :: ملتقى المحاضرات الصوتيه والمرئية-
انتقل الى: